المشاركات

عرض المشاركات من يناير, 2017

بيجامة الوقت المقلوبة.

لا يهمني أن أرتفع مكانًا دون أن أرتفع بروحي .. ولا يهمني أن يقول الناس عني ما يرونه مبهجًا بقدر ما تهمني بهجة روحي  .. في كل الأوقات أحاول أن أدنو مني وأبتعد بقدر ما استطعت عن الناس وآفات الكلام وفخاخ ألسنتهم .. وأهرب من ثم من السائد وأحاول قدر المستطاع أن أكون أنا مجردًا منهم ومن آرائهم وآمالهم وطموحاتهم من الحياة ورغباتهم وعموم حديثهم عن السعادة والحياة والنجاح والفشل والمعيب والمشين والكمال والمروءة والجمال وعن ما ينبغي وما لا ينبغي.. حاولت في كل الأوقات أن أرتدي بيجامة الوقت مقلوبة كي أستشعر في كل ليلة أن الحياة ملحها وجمالها في أن تكون أنت أنت. 

نرد.

السيدات والسادة يجب أن نذهب .. يجب أن  نذهب  إلى أي مكان فالبقاء لم يعد مغريًا .. أن نتحرك صوب وجهة أخرى هذا هو الهدف. يجب أن نتخلص أيضًا من العيش كقطع الشطرنج والتفكير مليًا في الخطوة ومصيرها ومن الوقت الطويل من التفكير المضني.. خذ كل الأنفاس العميقة وتظاهر ولو لوهلة بأنك حبة نرد متماهيًا مع الفكرة راميًا بنفسك دون وعي على خشبة الحياة متجاهلًا كل أفكار الربح والخسارة ! كن قويًا في التجاهل وكن شجاعًا بالخروج على المنطق .. لا تسمح للصمت بأن يكبل روحك ومارس الصراخ والركض في دروب الحياة ولا تلبس ثياب الحياة الرتيبة ولا تكن كالقالب الذي يصنعه الآخر لك لتكون نسخته المكررة .. كن رشيقًا كالسهم ساعة الفرج من القوس وكن صاخبًا كالأطفال في قاعات الهدوء المظلمة الرتيبة. 

لنا الله

حدثني عن اللحن عندما يتسارع كنبضات القلب ويوشك أن يغادر الصدر وسأحدثك عنه عندما يقف ويصافح قلوب العشاق ليبارك الحب الذي يشتعل بأطراف الليل ! حدثني عن الفن عندما يمسك بقلبي ويدلني وأنا ضرير الشوق لشباك تلامسه أصابعك وسأحدثك عن أول عطر لحبيبة قبلتها! حدثني عن أول حب وأول خصلة شعر لا تغادر قميصك لتطلب اللجوء وتتمنى أن تعود لتبقى أكثر. حدثني عن الصباح وأول فكرة تلوح في آفاق سيدة البدايات الجميلة. حدثني عن أحمر الشفاه في فناجين القهوة لأحدثك عن آخر نظرة في أول لقاء وآخر كلمة في معلقة الوداع. الفن مفتاح القلوب يؤنس الوحشة وعندما تتعانق الأجساد يستر خجل الآهات ويطلق العنان لكل تحفظ تتعثر به أرواحنا الخجولة. 

لو أنك غيرك

الضباب في السماء والأرض تنفث دخان الليل وكأنها تستريح وتدخن سجائر الصمت .. الناس في هدوء والأسرة دافئة والشتاء يهز جدران المدينة .. لا صوت إلا صوتك وأنت تعبر المسافات الطويلة إلى شعاع في آخر نفق الروح المظلم  لا تملك القدرة على الالتفات ولا على التوقف.. الأشجار مستيقظة تعانق نسائم الليل وكأنها فرحة بهذه الموسيقى الهادئة .. القطط تركض وهي لا تفكر بمكان الخطوة القادمة .. والطيور تنام هادية ولا تحمل سوى هم التحليق في صباح قادم.  تقول لنفسك : من حرمك القدرة على الركض دون خوف والتحليق دون اكتراث ؟!  تتمنى لو أنك غيرك ولو أن الحياة تمنحك صباحًا فكرة طائشة تجتث أقدامك الراسخة من تربة غادرة تأخذك أعمق فأعمق ..  الآن تفكر في آخر أغنية وتحاول إسعاد نفسك وتسأل مرآتك : من أنا ؟!

مزج !

أحيانًا أحب مزج النبطي بالفصيح لأثبت لنفسي أن الشعر في الخيال لا في تراكيب اللغة .. وأتخذ من أمل دنقل ونايف صقر مثالًا أسرده هنا ، ففي قصيدة زهور نجد المريض المتعب أمل دنقل وهو يرى سلال الورد أمامه ويقول : "وسلال من الورد ألمحها بين إغفاءة وإفاقة ، وعلى كل باقة اسم حاملها في بطاقة ! " هنا يتجلى الشعر في أكثر الأوقات حلكة .. ومع اشتداد المرض يفكر الشاعر في الورد ومن أين أتى وكيف عانى في طريق الوصول : " تتحدث لي الزهرات الجميلة أن أعينها اتسعت دعشة لحظة القطف لحظة القصف  لحظة إعدامها في الخميلة ! تتحدث لي ... أنها سقطت من على عرشها في البساتين  ثم أفاقت على عرضها في زجاج الدكاكين أو بين أيدي المنادين حتى اشترتها اليد المتفضلة العابرة  تتحدث لي كيف جاءت إلي  ( وأحزانها الملكية ترفع أغصانها الخضر ) كي تتمنى لي العمر  وهي تجود بأنفاسها الآخرة ! كل باقة بين إغماء وإفاقة  تتنفس مثلي بالكاد ثانية .. ثانية .. وعلى صدرها حملت راضية  اسم قاتلها في بطاقة...!" وننتقل من هنا إلى نايف صقر وهو يزور من أنهكه المرض في المشفى...

سعادة عابرة.

في الشتاء عندما نصاب بالانفلونزا ويقعدنا العجز عن مصافحة الأصدقاء والتجول في طرقات المدينة .. نتحول إلى ذواتنا ونجد الوحدة تتراكم في منازلنا وتحيينا في كل الزوايا. لذا فأنا أحب هذه الهبة لأنها تجبرني أن أتأمل أكثر وأنصرف من ثم عن الناس وأحاور ذاتي مليًا وفي لحظات التجلي ربما أعشقني - ليست نرجسية - ولكنها متطلبات المرحلة فيما يبدو. قبل قليل تصفحت الكثير من الماضي وهو الذي شجعني على الكتابة ، وتذكرت ما كتبته قبل سنوات لحبيبة سيئة المنقلب وندمت كما ندم محمود درويش على قصيدة أعدها لحبيبة متأخرة على الدوام *، ولكني أشعر بفرح يجعلني أصفح وأنسى وأحيي وأهدي نخب هذا الحليب الساخن لكل ما مضى وما سوف يأتي ! يمضي الوقت وأنا أرتجل الأحرف وأحاول أن أمرن عيني وقلبي على الجمال لذا أستمع إلى صوت طلال مداح وهو يغرق في  لحن أغنية عنونها : يا حلاتك، وتحط في ذهني صورتها مدهوشة وهي تقرأ وتهرب من ثم بسمرتها الناعمة إلى حديث محايد يفضحها ولا يستر ما تريد كتمانه. أين كنا ؟! - تذكرت .. مع الانفلونزا وهذا الدفء الذي يصاحب الروح والجسد .. لكن أريد أن أقول بأني لست أشتكي بل أنا سعيد بهذا الدوار العذب وهذ...

تكلم كي آراك.

لو تصفحت ما مضى لي من نصوص لوجدت أن الحزن ضيفي الدائم وأن الفرح خجول بين الأحرف ، ولكني لست بالحزين على الدوام ولا بالسعيد أيضًا، حياتي تتقلب بين نعمة وشقاء ولكني محظوظ ربما بالصعاب والتجارب الكثيرة والمسافات الطويلة وبالأحاديث التي لا تنام.  لو أجلسني أحدهم على مقعد المصارحة وسألني عن هوايتي الأولى لأجبته دون تردد : أهوى الحديث ! الحديث شغفي الدائم وأجده يلاحقني في السماع وفي الحديث عبر الورق أو من خلال مئات الأرواح التي لاقيتها وعرفتها في منعطفات الحياة.  في الحديث شفاء خصوصًا إذا تعرينا من المقدمات والرموز والعقد التي تتراكم كالملح على ألسنتنا.  الحديث شهد الروح ومرآة القلوب وطريقنا لكسب ود صديق أو قرب محب .. لذا علي وعلينا أن نواصل الكتابة والكلام ما دام القلب يخفق في هذه الحياة. 

افتح قلبك.

لست في موضع المنظر ولا العالم بكل خفايا النفس ولكني وجدت مع الوقت أن الصراحة علاج لا مثيل له .. والصراحة قد تكون في جلسة تأمل مع الذات وقد تكون في حوار طويل مع صديق أو حبيب .. وقد تكون في همس لقلم يكتب ما نعجز عن التفوه به. في عيادة ما وفي جلسات متكررة مع مريض كتوم نصحته بالكتابة دون ضوابط وقوانين وأن يرسلها مباشرة دون تدقيق إلي .. ومع الوقت أدمن الكتابة وحقيقة وجدته يقول ويضع الحلول لكل أمر يعجزه. وأنا هنا عندما أكتب فأنا أحاول أن أهرب بالرموز من نفس لوامة ومن أيام متربصة تريد أن توقعني في فخاخ الحزن !

توحشناك

هذا الليل طويل بما فيه الكفاية وأجدني أمسك بكل الأشياء محاولًا قطع الطرق الممتدة من الحزن دون أن أجرح قلبي ! أقبض الوقت بكل جهدي وأجده يتسلل هاربًا مني ذاهبًا إلى ما لا أريد من صور وأفكار لا تقدم سوى الشوك لروح مضطربة ! أخرج إلى الأصدقاء ولا أجدني في أرواحهم .. أنشغل بالكتاب والشعراء ولا أجدني إلا في أتعس ما كتبوا .. أمد طرفي إلى اليوم القادم ولا أجد سوى الضباب مبشرًا بالعتمة .. أراكم على لساني كل عبارات التفاؤل ولا يبقى سوى ملح الحروف الصعبة .. رسالة عابرة تختار جوالي في هذا الليل وتضيء ببياضها كل السواد وترقص صادقة : ( توحشناك ). فأفرح وأعرف أن الحزن قد يذوب في لحظة بعبارة تعرف الوقت المناسب.