لو أنك تخرج صباحًا .. لو أنك تمشي ألف خطوة وتصافح ألف نسمة وتتنفس صباح الخارجين توًا لأعمالهم بينما المدينة غارقة في يوم عطلتها .. لكنت شخصًا آخرًا يعرف ( من وين توكل السعادة ) .
في هجعة الليل، يتراءى لي ما كنت أستره عن عيون الناس، قمر شاحب ينادي على الحنين، نصف نجمة تخجل من نورها، أزقة الحي القديم، مئدنة الشارع الدافئة، تلك الذكريات التي تذيب القلب، ألعاب الصبى وخدع الأطفال؛ ذلك الركض العنيف في متاهات الروح، الأخطاء والزلات،. أنصاف الحلول والهرب صوب شمال عذب، مشارق النفس بعد حديث دافيء مع صديق يستر ما كنت تخشاه، الليل متاهة والنفس تخشى الغموض، نسارع في الخطى صوب مستقبل غامض، ننسى العيش ونجتر تلك المسافات التي قطعناها، يقتلنا ما مضى وننسى ما نعيش.
هذا الليل طويل بما فيه الكفاية وأجدني أمسك بكل الأشياء محاولًا قطع الطرق الممتدة من الحزن دون أن أجرح قلبي ! أقبض الوقت بكل جهدي وأجده يتسلل هاربًا مني ذاهبًا إلى ما لا أريد من صور وأفكار لا تقدم سوى الشوك لروح مضطربة ! أخرج إلى الأصدقاء ولا أجدني في أرواحهم .. أنشغل بالكتاب والشعراء ولا أجدني إلا في أتعس ما كتبوا .. أمد طرفي إلى اليوم القادم ولا أجد سوى الضباب مبشرًا بالعتمة .. أراكم على لساني كل عبارات التفاؤل ولا يبقى سوى ملح الحروف الصعبة .. رسالة عابرة تختار جوالي في هذا الليل وتضيء ببياضها كل السواد وترقص صادقة : ( توحشناك ). فأفرح وأعرف أن الحزن قد يذوب في لحظة بعبارة تعرف الوقت المناسب.
هناك أعراض انسحابية لكل شيء حتى الترك حتى الحديث حتى السلام والتحية، لذلك يسرف البدو في وداع ضيوفهم حتى ينتهي الوداع بصوت من بعيد. ما كان كثيرًا في يوم ما يصعب أن يزول فجأة بالكلية، نحن نعاني دائمًا من رحيل أو فقد مفاجيء، الأحبة عندما يرحلون نرقبهم حتى يصبحون كالنقاط الصغيرة البعيدة في أفق أعيننا، لذلك يحزننا موت الفجأة حتى مع إيماننا أن هذا سير الحياة، لذلك نتمنى أن تتمهل الحياة وتمنحنا تلك الفرص المناسبة لتوديع من نحب كما يليق بهم وبقدرهم في أعيننا.
تعليقات
إرسال تعليق