"في داخلي نمر يشم الورود"- حديث عن الحروب والصدمات النفسية!
عندما بدأت بالبحث عن اضطراب كرب ما بعد الصدمة حسب التعبير الاصطلاحي في المعاجم النفسية، قادني البحث إلى دهاليز مؤلمة ولكنها مغرية للقراءة وتحديدًا تلك التي تتحدث عن مذكرات الحرب، لأن اضطراب ما بعد الصدمة ولد مع الحروب: العالمية الأولى والثانية، والحرب الفيتنامية وحربي الخليج.
والحرب هي دراما في الميدان وخارجه، الجندي يركض في ساحات المعركة والشاعر أو الكاتب يسجل بطولاته أو يتحدث عن مشاعره، والمتتبع لشعر أو روايات الحروب يجد أنها تغيرت مع الوقت من تمجيد أسباب المعركة إلى الحديث عن معاناة الجندي وآلامه وفي هذه النقطة أسهب المؤرخ المعروف Yuval Noah Harari في كتابه Homo Deus.
الحديث عن الحرب حسب رواية مراسل الحرب أو الجندي في الميدان تنقل صورة مباشرة للجرح وهو ينزف وللرعب عندما يشل أقدام المدافعين عن أرض أو المهاجمين على مدينة، لأن الرماح -تاريخيًا- آو الرصاص قد يطرق صدور الجنود دون استثناء ودون تفريق بين الخاسر والرابح.
في ١٩٤٠ رسم فنان الحروب توماس لي لوحة بعنوان نظرة الألف ياردة ، اللوحة التي تعكس ذلك الخدر العظيم للجنود وشعورهم بالانفصال التام عن ما يحدث حولهم وكأنهم غرقى في أنفسهم ولا يجدون أية سبيل للنجاة، الظاهرة التي ربما ترجمت فيما بعد في أعراض اضطراب كرب ما بعد الصدمة ب Emotional Numbness or Detachment.
مع الوقت تبلور ما يسمى بأدب الحروب، وأيضًا بدأت الناس تتحدث عن معاناتها النفسية بعد العودة من الحرب، الأمر الذي كان مستهجنًا في الماضي وحتى في الحرب العالمية الأولى عندما بدأ شاعر بحجم Sasson, Siegfried بكتابة معاناته ومآسي الحرب، ولكن رفاقه نصحوه بعدم المضي قدمًا لأن الكتابة عن معاناة الإنسان من الحرب قد تسجل كنوع من أنواع الخيانة!
الحرب بشكلها العام الأخلاقي هي مكسب وشرف وقيمة معنوية بغض النظر عن نتائجها على المستوى الفردي والاجتماعي، ولكن رفاق Sasson نصحوه بالتوقف وعندما انتشر شعره، قالوا بأنه يعاني من اضراب Shell-Shock وهو ربما الاسم البدائي لكرب ما بعد الصدمة!
ومن روائع شعره وربما هي قصيدة تعبر عن الشعور بالتناقض لجندي يدافع عن وطنه ولكنه يعاني من أثر الحرب ويشكك في أسبابها.. يقول:
" في داخلي نمر يشم الورود"
***
في العصر الحديث، هناك العديد من الأفلام والمسلسلات التي تتحدث عن أهوال الحرب، وربما كان النصيب الأكبر لمعاناة الجندي الأمريكي لأنه يجاور هوليوود التي تسرق أنظار كل العالم، لذا لو بحثت عن أفلام الحرب فستجد العشرات ولكنها في كثير من الأوقات تحكي عن الأمريكي العائد من فيتنام أو العراق أو الصومال.
لكن من الممكن تعميم التجربة ذات التجربة على نطاق واسع، لأن الجندي في المعركة لحظة سقوط القذيفة يصبح مجردًا من كل شيء، ،ويكون خوفه ربما متماثلًا مع الجندي المعادي الذي يقف في الضفة الأخرى ويخشى من قذيفة مماثلة!
في تلك اللحظة لم أكن شون نيلسون، لم يكن لي أي علاقة بالعالم الذي عشته من قبل: لا فواتير أسددها ولا عواطف أحافظ عليها، لا شيء، كنت شخصًا يحاول البقاء حيًا من جزء ثانية لأخرى، أشعر بكل شيء في جسدي بأنفاسي المتتابعة، وأشعر بأني لا أصبح أبدًا ذلك الشخص الذي كنته في الماضي، في المعركة كان هناك وعي كامل بجسدي وعقلي وانفصال تام عن العوالم الخارجية!
هكذا كتاب مارك بودين عن معاناة شون نيلسون في كتابه المشهور:
Black Hawk Down.
***
كتب لكم وترجم : ماجد الحربي
تعليقات
إرسال تعليق